48 ساعة في تطوان،
عطلة نهاية أسبوع بين الثقافة والتاريخ على شاطئ البحر المتوسط

هل تريد الراحة والهدوء على شاطئ البحر والاستمتاع بالأجواء الجميلة للبحرالأبيض المتوسط؟ وجهتك المناسبة هي مدينة تطوان، الملقبة أيضا بـ”ابنة غرناطة” أو “الحمامة البيضاء”. يعتبر المجيء إلى “تيطاوين” (التي تعني “العينان” باللغة الأمازيغية) بمثابة اكتشاف للغنى الذي يزخر به تراث المنطقة المادي واللامادي، والذي يتكون من الموسيقى، الفنون الشعبية، تقاليد الطهي والطبخ والهندسة المعمارية العربية-الأندلسية. كما يعني ذلك أيضا الاستمتاع بخليج تامودا باي، وهو ساحل يبلغ طوله 35 كيلومترا على طول البحر، يمتد بين الفنيدق ومرتيل، والذي يضم عددا من أكثر الشواطئ جاذبية في المنطقة. تتمتع تطوان أيضا بموقع جغرافي متميز، يتيح لها الحفاظ على روابطها الاقتصادية والثقافية العريقة والمثمرة مع إسبانيا، نظرا للمسافة القصيرة التي تربطها بمدينة طنجة. شهدت تطوان خلال فترة سقوط مملكة غرناطة تدفقا ونزوحا هائلا للأندلسيين الذين تعرضوا للنفي، حيث خلفوا بصمتهم في المنطقة لفترة طويلة. يشهد على ذلك بنايات المدينة، أسلوب طبخها وكذلك عدد من الأعمال الفنية. فبين التنوع الثقافي والفني والمناظر الطبيعية الفريدة من نوعها، يمكنك اكتشاف تطوان برفقة العائلة أو مع الأصدقاء للاستمتاع الكامل بفن العيش الذي يميّزها.

اليوم الأول

يعتبر الذهاب لزيارة تطوان، أولا وقبل كل شيء، غوص وانغماس في مدينتها القديمة. تم إدراج هذه المدينة القديمة، التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو سنة 1997، وتعتبر واحدة من النماذج النادرة للهندسة المعمارية الإسلامية المحفوظة بشكل جيد. يحيط بالمدينة سور طويل يمتد لما يقرب 5 كيلومترات، ويمكن الولوج إليها عبر سبع بوابات. سترى داخلها مبان تتميز بطرازها المعماري العربي الأندلسي، كما يمكنك فيها اقتناء عدد من المنتوجات المحلية الريفية، مثل المكسرات، التمر والتين.

شاهد المزيد

لبدء زيارتك هذه، توجه إلى ساحة المشور، التي بنيت في القرن السابع عشر، في عهد السلطان مولاي إسماعيل. يمكنك الاستمتاع من خلال هذه الساحة، التي تشكل صلة الوصل بين المدينة الحديثة والمدينة القديمة لتطوان، برؤية باب القصر الملكي. قم بالسير على طول جدار هذا الأخير للذهاب إلى سوق الحوت الواقع في الجهة الخلفية من القصر والمشهور ببيع الملابس التقليدية المصنوعة يدويا، وخصوصا المنديل المعروف بالمنطقة. حيث يعتبر ارتداء هذه القطعة الكبيرة من التوب المخطط باللونين الأحمر والأزرق حول الخصر جزءا لا يتجزأ من ملابس التطوانيات، سواء في حياتهن اليومية أو في المناسبات والأعياد.

واصل سيرك في الشارع نفسه حتى تصل مقر متحف التراث الديني ومسجد لوقش. يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1758، ويستقبل طلبة المناطق المجاورة الذين يأتون لتلقي علوم الدين. اصعد بعد ذلك حتى تعبر زنقة العيون عند زاوية سيدي علي بركة. ستكتشف من خلال سيرك على طول هذا الزقاق التجاري السوق الفوقي، حيث يمكنك الاستمتاع فيه بالرائحة الطيبة للخبز اللذيذ كما ستجد أنواعا كثيرة من الفواكه والخضروات الطازجة، بالإضافة إلى المعجنات المحلية. يمكنك النزول من هناك حتى شارع الجزائر للمشي على طول سور المدينة الذي خضع للترميم والذهاب إلى ساحة الفدان، من أجل الاستمتاع باستراحة رائعة تحت أشجار الصنوبر والنخيل. توجه بعد ذلك ناحية اليسار بعد مغادرة الساحة للالتحاق بشارع بن الحسين.

شاهد المزيد

. ستصل إلى مكان مميز يستحق المشاهدة: المتحف الأثري للمدينة الذي تم افتتاحه سنة 1940. سترى، خلال زيارتك لهذا الفضاء المميز، بقايا لعدد من مدن منطقة الشمال المغربي (مزورة، ليكسوس، تامودا، القصر الصغير، إلخ.) والتي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، العصر القديم والفترة الإسلامية. توجه بعد مغادرة المتحف إلى ساحة المشور، وهو مكان آخر هام جدا، لا ينبغي تفويت زيارته ورؤيته في المدينة. تم بناء هذه الساحة في القرن السابع عشر، في عهد السلطان مولاي إسماعيل، بجوار شارع محمد الخامس.

يمكنك الاستمتاع خلال فترة المساء، مع بداية نزول ظلام الليل، بتذوق عدد من الأطباق التي تتميز بها تطوان في أحد مطاعم المدينة، قبل العودة مجددا إلى ساحة المشور، التي تنبض بالحياة وتشهد حيوية كبيرة مع غروب شمس النهار. اجلس بأحد المقاهي التي تصطف على طول الساحة ولا تتردد في الصعود إلى الطابق العلوي للجلوس على إحدى شرفاتها كي تحظى برؤية أفضل للمحيط بأكمله. يمكنك لعب الورق، كما يفعل التطوانيون، أو لعب البارتشي (النرد) أثناء الاستمتاع باحتساء كأس شاي مع إطلالة مميزة على هذه الساحة التي تكون مضيئة من كافة جوانبها.

لا تفوت: تزخر تطوان بحوالي عشرين نافورة جدارية، تزود سكان المدينة والزائرين بالماء البارد طوال اليوم. لذا، انتبه جيدا خلال طريقك، حتى لا يفوتك الاستمتاع بأشكال هذه النافورات الرائعة، وقم أحيانا بإنعاش نفسك من مياهها العذبة.



اليوم الثاني

ابدأ اليوم الثاني من رحلتك بالذهاب إلى ساحة بالوما بلانكا، حيث يقف تمثال مهيب اتخذ شعارا ورمزا للمدينة. فتطوان مدينة استأثرت باهتمام العديد من الفنانين، كما شكلت مفترق طرق حقيقي للإبداع المعاصر. تشتهر المدينة أساسا بـالمعهد الوطني للفنون الجميلة الذي تخرجت منه أجيال عديدة من الفنانين المغاربة المعترف بهم على المستويين الوطني والدولي. يمكنك الذهاب إلى هذا الفضاء انطلاقا من ساحة بالوما بلانكا قبل مواصلة سيرك في الشارع على طول السوق الجديد للذهاب إلى المسجد الكبير، فـالكنيسة الكاثوليكية بعده. وأنت تتواجد على مستوى ساحة مولاي المهدي وشارع محمد الخامس، واصل رحلتك حتى تعبر شارع بن حسين لتصل إلى مبنى إيكيتاتيفا الذي يتواجد بجانبه معهد سرفانتيس و “السينما الإسبانية”. لا يزال هذا الحي، الذي يسمّى بـ“الإنسانتشي” (الحي الحديث)، يحتفظ بالعديد من الآثار حتى يومنا هذا، وقد تم تصميمه وفقًا لشكل العمارة الإسبانية منذ بداية القرن العشرين. يتميز بالشبكة المتعامدة، التسلسل الهرمي للطرق والممرات والمواد: وهي عناصر قلبت شكل الهندسة المعمارية التقليدية للمدينة القديمة. هكذا، وُلد ما يسمى بالطراز “العربي-الجديد”. كل ما عليك فعله هو رفع عينيك قليلا للاستمتاع بالعديد من المباني التاريخية التي يزخر بها هذا الحي. اذهب بعد ذلك نحو السوق المركزي عبر شارع مولاي الخطيب، حيث يمكنك تناول وجبة الغداء على إحدى الموائد المحلية الخاصة بهذه المدينة.

هل تريد أن تواصل جولتك لهذا اليوم بلمسة فنية؟ عند الخروج من السوق المركزي، انعطف ناحية اليسار، ثم اتجه ناحية الشمال مرة أخرى في شارع سيدي المنظري للذهاب إلى التقاطع الطرقي الذي يؤدي إلى مركز الفن الحديث والمعاصر. يقع هذا المتحف في محطة قديمة للسكة الحديدية، بناها المهندس المعماري الإسباني خوليو رودريغيز رودا سنة 1918. تم تدشين المتحف سنة 2009، ويهدف إلى تتبع تاريخ الإبداع المغربي المعاصر. سيمكنك المركز، من خلال قاعات العروض الأربعة داخله، أن تفهم وتطلع بشكل أفضل على تاريخ الفن الحديث للمملكة حسب ترتيبه الزمني. ستمنحك هذه الدورة الزمنية الفرصة للاطلاع على النشأة والخصائص الفنية لمدرسة التصوير في تطوان (1913-1956)، معرفة المزيد حول رواد الفن المغربي الحديث (1956-1979)، تاريخ الانفتاح الفني للفنانين التشكيليين المغاربة على الساحة الدولية وأخيرا الاهتمام بالاتجاهات المعاصرة (بداية من سنة 1993 إلى يومنا هذا).

بعد حلول الظلام، استمتع بحلاوة الليل من خلال العودة إلى حي الإنسانتشي. قم بتناول وجبة خفيفة في أحد المطاعم الإسبانية العديدة المتواجدة بهذا الحي. توجه بعد ذلك إلى معهد سرفانتيس لحضور أحد عروض الفلامنكو أو عرض لأوركسترا تطوان الموسيقي. يعد هذا الأخير مرجعا حقيقيا في ما يخص الموسيقى الأندلسية. يسمى هذا النوع من الموسيقي بـ“الآلة”، ويعود تاريخه إلى عهد الأمويين بالأندلس، وهو شكل موسيقي مستوحى من الأغاني والأشعار الدينية المعروفة في ذلك الوقت مصحوبا بآلات نحاسية، آليات النفخ وآلات إيقاعية تقليدية.

لا تفوت: لا تنس أن ترفع عينيك نحو الأعلى، كي تستمتع بالشرفات والساحات التي تطل على الأزقة الصغيرة للمدينة القديمة.

المكان المفضل لدى هيئة التحرير

تقع قصبة سيدي المنظري على سفوح جبل درسة الواقع ناحية الشمال الغربي للمدينة. يعتبر هذا الموقع الاستراتيجي في الأصل مكانا يمكن من مراقبة جميع الممرات المؤدية إلى المدينة. تم تشييدها خلال العصور الوسطى، قبل أن يتم إعادة بنائها في القرن الخامس عشر من قبل القائد الغرناطي الذي تحمل اسمه حاليا. تم استخدام القصبة كقاعدة عسكرية ومكان يستقر فيه ويعيش فيه مؤسسها. يمكنك التجول حاليا بين الغرف المختلفة لهذا المكان وملاحظة التفاصيل المعمارية الراقية والملونة التي تتميز بها.

إذا كان لديك يوما إضافيا…

إذا كان لديك يوما إضافيا، فاسلك الطريق المؤدية إلى واد لاو. تشتهر هذه البلدة الساحلية الواقعة على بعد 44 كيلومترا من تطوان بكونها تتوفر على أحد أجمل الشواطئ في جنوب البحر الأبيض المتوسط. وهذا راجع لسبب وجيه، وهو أن المكان يتميز ببحر ذو مياه صافية وشاطئ برمال ناعمة. هل تريد أكثر من هذا؟ تحيط بالشاطئ منحدرات عالية جدا، مما يوفر بانوراما ومشاهد فريدة من نوعها. بالنسبة للذين يفضلون البقاء دوما نشيطين، يمكنهم المشي في مسارات جميلة انطلاقا من واد لاو. سوف يعبرون غابات مليئة بأشجار الصنوبر والاستمتاع بإطلالات مميزة جدا من أعلى البحر الأبيض المتوسط.

حقوق النشر © المكتب الوطني المغربي للسياحة، 2022