الدار البيضاء،
نهاية أسبوع مليئة بأنشطة الترفيه والتثقيف

هل تشعر بإعجاب وانجذاب لزيارة مدينة الدار البيضاء؟ هل تود التعرف على مختلف أوجه هذا المتروبول الاقتصادي الكبير؟ هل سبق لك أن زرت أحد متاحفها وتنزهت على طول ساحلها؟ هل ترغب في حضور أحد المهرجانات أو قضاء فترة الظهيرة بين واحدة من حدائقها الجميلة؟ إذا كنت ترغب في كل هذا وأكثر، فإن الدار البيضاء المدينة الساحرة، ستفي بوعودها وستستقبلك في جو متألق ورائع.

تعتبر الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة، يتجاوز عدد سكانها حاليا ثلاثة ملايين نسمة، وتتميز بحركية منقطعة النظير مستغلة بذلك كل العوامل التي تحيط بها كي تبرز كقوة اقتصادية من دون أدنى شك. تحظى المدينة بشعبية كبيرة يطبعها التعدد الثقافي والاجتماعي، وهو ما يزيدها جمالا وجاذبية. بعيدا عن أماكن الذروة التي تشهد حيوية دائمة وحركية مستمرة، فإن المدينة تزخر بجانب يطبعه التراث المعماري الأصيل وفن الطبخ العالمي، وأعداد كبيرة من المتاجر والمحلات. توفر الدار البيضاء كل هذه الأمور وأكثر، وتترك لك المجال مفتوحا لاكتشاف مختلف نواحيهها وأوجهها وأجوائها في بيئة أنيقة لن تخيب آمالك.

اليوم الأول

استهل زيارتك للدار البيضاء بجولة في ساحة محمد الخامس، وهي إحدى أكثر المراكز حيوية في المدينة، حيث ستصادف المارة والعائلات والباعة المتجولين وطوابير لطيور الحمام التي تحيط بالنافورات التي توجد وسط هذه الساحة. تم تجديد هذه الأخيرة كي توفر للزائرين تجربة غنية في مضمونها. في الناحية الجنوبية للساحة، ستكتشف بنايات ذات رمزية وأهمية خاصة، أهمها مبنى الولاية ببرجها العالي الذي يبلغ ارتفاعه 50 مترا، إلى جانب مقر القنصلية الفرنسية الذي يبرز من فوقه تمثال رمزي للمارشال ليوطي. وفي الجهة الخلفية وراءك مباشرة، يقع بنك المغرب وبناية البريد الكبير اللذان شيدا قبل قرن من الزمن وفق معايير فن آرت ديكو، وإلى جانبهما يوجد قصر العدالة.
أما في الناحية الغربية من الساحة، فيوجد المسرح الكبير للدار البيضاء، بناية تثير الإعجاب شبهها المهندس المعماري كريستيان دو بورتسامبارك بالمركبة التي تستعد للإقلاع نحو الأفق. عند مغادرة الساحة، واصل السير مشيا على الأقدام بالموازاة مع خط الترام الذي يقطع شارع الحسن الثاني، حتى تصل إلى الرصيف المتواجد بالجهة المقابلة الذي يصطف به عدد من بائعي الكتب. هناك، نضرب لك موعدا مع فن المعمار من طراز آرتديكو الذي يمثل علامة فارقة وسط هذه المدينة الكبيرة. بعد بلوغ ساحة الأمم المتحدة، انعطف جهة اليمين عبر شارع محمد الخامس ثم تابع السير نحو السوق المركزي، الذي يتردد عليه سكان المدينة في كل يوم لتناول وجبات من السمك.
من هذا المكان بالذات، يمكنك أن تلتف أيضا ناحية اليمين، مرورا بجانب سينما ريالطو التي وضعت على واجهتها صورة للمطربة الشهيرة أم كلثوم، ثم توغل قليلا بين المقاهي الكثيرة التي تؤثث المكان إلى حين الوصول إلى الأروقة ومحلات التجارة، بعدها، يمكنك مواصلة السير والعودة من جديد إلى شارع محمد الخامس.

بعد عبور ساحة الأمم المتحدة في اتجاه باب مراكش، ستجد نفسك أمام مدخل المدينة القديمة. قبل ولوج هذا الفضاء المتميز، من الأفضل الاستعانة بخدمات واحد من المرشدين السياحيين حتى لا تفوتك فرصة التعرف على تاريخ المدينة القديمة والكنوز التي تزخر بها. وبعد تجاوز المحلات ومتاجر بيع الألبسة والأثواب والأحذية، واصل السير باتجاه الرواق الخاص ببيع المجوهرات، وبعده يمكنك الاتجاه مباشرة إلى الأحياء القديمة التي تمثل نواة المدينة العتيقة وقلبها.
في حال ما إذا شعرت بالرغبة في تناول وجبة، لا تتردد في التوقف بالقرب من الصقالة، هذه الثكنة العسكرية القديمة التي تم تحويلها حاليا إلى مطعم يقدم وجبات متنوعة لوجبتي الفطور والغداء، حيث يمكنك الوصول إليها سيرا على الأقدام أو عن طريق سيارة الأجرة. اغتنم أيضا فرصة تواجدك هناك واكتشف عراقة هذا المكان الذي يعود تاريخه إلى سنة 1769 والذي يطل على ميناء المدينة الكبير الذي يعد من أكبر الموانئ البحرية على مستوى القارة الإفريقية.

بعد تناول وجبة الغداء، اترك وراءك ساحة المدينة واتجه نحو ميناء الصيد. عند هذا الأخير ستجد عددا من الصيادين يستريحون بعد قضاء ساعات طويلة في البحر، ويفككون شباكهم بمساعدة طيور النورس التي تتربص بالأسماك المتناثرة هنا وهناك لتحلق بها بعيدا. عند الانتهاء من جولتك داخل الميناء وأجنحته التي تباع فيها الأسماك، استقل سيارة أجرة للذهاب في مشوار وسط المارينا الجديدة، لتصل بعد ذلك إلى الفناء العريض لمسجد الحسن الثاني، أحد أكبر المساجد في العالم والذي ترتفع مئذنته بعلو يبلغ حوالي 210 مترا. بعد مغادرة ساحة هذا المسجد العظيم، تقدم باتجاه الصيادين المتراصين ناحية البحر، ومن تم تابع السير إلى أن تصل إلى مكان تواجد المنارة. هناك، قد تحظ بفرصة الصعود إلى قمة منارة العنق الشهيرة، والتي ستضمن لك الاستمتاع من علو كبير بإطلالة شاملة على المدينة من جهة، والمحيط الأطلسي من جهة أخرى. بعد ذلك واصل السير بمحاذاة الساحل إلى أن تصل ناحية الكورنيش بسلسلة مطاعمه المتميزة والتي تشتهر بأذواقها الرفيعة، حيث تقدم عددا كبيرا من المشروبات وما لا يحصى من المقبلات، سواء تعلق الأمر بوجبة خفيفة وسط النهار، أو بوجبة عشاء رئيسية. مع حلول الليل، ستتسنى لك فرصة الاستمتاع بالأنشطة الليلية للمدينة، بما في ذلك حفلات الرقص و الملاهي التي توفر جوا مثاليا للمرح والمتعة حتى الساعات الأولى من الصباح.

لا تفوت: إذا كنت من الذين تعجبهم التجارب الأصيلة، فلا تتردد في الجلوس غير بعيد عن الصيادين والعمال الذين يشتغلون داخل الميناء، ومشاركتهم بعض الأطباق الشعبية كالمقيلة بالحبار والروبيان أو طبق متنوع من أسماك السردين، سمك موسى أو الغبر، أما إذا كنت تفضل تناول وجباتك في المطاعم، فستجد داخل الميناء مطاعم تفي بهذا الغرض.

.



اليوم الثاني

استهل اليوم الثاني من إقامتك بالبيضاء بنزهة عبر حي الحبوس الواقع على بعد خطوات قليلة من القصر الملكي، وهو مكان يشكل جزءا هاما من تقاليد المدينة رغم حداثة بنائه (بالكاد يتجاوز عمره قرنا من الزمن). يعد هذا المكان من أكثر الفضاءات سحرا وجمالية لتواجد عدد من المساحات الخضراء والأروقة المختلفة والمآذن داخله، إلى جانب المباني القديمة ذات الواجهات البيضاء والأسقف القرميدية بألوانها الخضراء، حيث توفر جوا يعطي للزائرين الانطباع بأنهم في رحلة عبر الزمن. كمايوفر المكان إمكانية القيام بجولة خاصة بين ورشات مختلفة لعدد من الحرف التقليدية ومحلات لصنع وإعداد الحلويات المحلية. لا تنس أيضا زيارة محكمة باشا، التي تم تشييدها في سنة 1941 من قبل المهندس المعماري الشهير أوغست كادي ( AugusteCadet)، و التي لا زالت تشهد إلى يومنا هذا على ثراء وتنوع فن الهندسة المعمارية بالمغرب.

بمجرد الانتهاء من جولتك في حي الحبوس، اقطع خط السكة الحديدية مشيا باتجاه حي درب السلطان لتناول وجبة غداء في ساحة الجزارين حيث يمكنك اقتناء ما تريده من اللحوم من أحد محلات الجزارة المجاورة للساحة، تم توجه بها نحو واحدة من الشوايات القريبة من المكان ليتكفل صاحبها بتحضير اللحم وطبخه في وقت وجيز مشويا على الفاخر ثم يقدمه لك. يعد هذا الموقع بالذات وجهة رئيسية يرتادها كثيرا سكان المنطقة كما السياح الذين يزورون المنطقة، خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع. لا يوجد شيء هنا أفضل من تناول طبق من اللحم المشوي بعناية مع حلول وقت الغداء. بعد ذلك مباشرة، اذهب في جولة عبر زنقة آيت يافلمان التجارية، حيث يتسوق فيها السكان المحليون شتى أنواع المشتريات من مأكل وملبس، ومنها يمكنك الاتجاه نحو شارع الفداء، قبل أن تعود في الاتجاه الذي سيعود بك سيوصلك مباشرة إلى وسط المدينة.

عند وصولك إلى مكان مدارة أوروبا، توقف قليلا لرؤية كاتدرائية السيدة لورد المهيبة والزجاج الملون الذي يحيط بها، ثم تابع السير باتجاه شارع مرس السلطان للتجول بالأزقة القريبة منه و اكتشاف واجهات مباني فن آرت ديكو التي توجد هناك. استمر في السير في خط مستقيم إلى أن تبلغ الساحة الواقعة خلف ولاية الدار البيضاء الكبرى. بعدها مباشرة، اسلك شارع الراشدي الذي تحيط به أشجار النخيل، والذي يمتد على طول حديقة التزلج الجديدة المعروفة باسم “نيفادا”، ذات الواجهات العملاقة والتي تتخللها عدد من الرسومات التي أنجزت من طرف فناني الشوارع. سيأخذك هذا المسلك إلى المكان الذي توجد به كنيسة القلب المقدس والتي استغرق بناؤها قرابة 25 سنة. يثير هذا المكان الذي أشرف على تصميمه المهندس المعماري الفرنسي بول تورنان إعجاب الزوار كثيرا، إذ يجمع بين فن العمارة القوطية وفن آرتديكو، مما جعل منه تحفة معمارية بامتياز. على بعد خطوات قليلة فقط من الكنيسة، تقع الحديقة الخاصة بمقر جامعة الدول العربية، والتي شهدت مؤخرا أشغال إعادة التهيئة. أما إذا كنت من محبي الفنون المعاصرة، فما عليك سوى أن تشق طريقك من خلال شارع الروداني في اتجاه فيلا الفنون، لاكتشاف هذا المكان الراقي الذي تنظم به أعداد كبيرة من المعارض الدولية على مدار العام.

لا تفوت: تحتضن مدينة الدار البيضاء عددا من الأحداث والفعاليات الثقافية التي تنظم باستمرار، كالمهرجانات الموسيقية (لبولفار وجازا بلانكا) وغيرها من معارض الفن المعاصر ومهرجانات فن الشوارع، كمهرجان “صباغة باغة”، إلى جانب عدد من المحافل والأنشطة الرياضية، ويبقى أهمها الماراطون الدولي للدار البيضاء. مهما كانت الفترة من السنة التي اخترتها لزيارة الدار البيضاء، لا تتردد في البحث قليلا والاستفسار عن الأنشطة والبرامج الثقافية التي يصادف تواجدك بالمدينة تنظيمها، لأنك ستستمع بها كثيرا.

المكان المفضل لدى هيئة التحرير

تغطي حديقة جامعة الدول العربية مساحة تمتد لما يقارب 30 هكتارا، ويعتبر هذا الفضاء”الرئة الخضراء”التي تتنفس عبرها مدينة الدار البيضاء. وهو عبارة عن حديقة كبيرة بنيت في سنة 1916، وكانت تعرف حينها بـ”بارك ليوطي”، قبل أن يتم تغيير اسمها مع استقلال المغرب إلى الاسم الذي تحمله حاليا. عرف المنتزه سلسلة عمليات إعادة تهيئة وتجديد قبل إعادة افتتاحه، وهو الآن يشكل فضاء رحبا توجد بداخله العديد من الأروقة المحاطة بأشجار النخيل وحقول الأزهار. كما تتضمن الحديقة حوضا واسعا يسمح للأطفال باللعب في جنباته عند زيارتهم للمكان رفقة عائلاتهم. بالإضافة إلى ذلك، فالمكان يعتبر فرصة لمشاهدة الأقواس الملونة التي تعد من أهم إبداعات الفنان التشكيلي الشهير دانيال بيرن، والتي تضفي رونقا خاصا للأعمدة التي لا تزال قائمة بهذا المكان منذ بداية القرن العشرين. فلا تفوت الاستمتاع بلحظات من الهدوء والسكينة وسط هذه المدينة التي تعج بالحركية والنشاط.

إذا كان لديك يوما إضافيا…

توجه ناحية الجنوب حيث يقع الكورنيش وشاطئ عين الدياب الشاسع جدا. في هذا المكان بالذات، يلتقي وجهان مختلفان تماما! قم أولا بزيارة جزيرة سيدي عبد الرحمان، وهي عبارة عن كتلة صخرية مغمورة تضم ضريح القديس والوالي الصالح الذي اشتقت الجزيرة اسمها الحالي منه، حيث يمكنك الوصول إليها عن طريق عبور الجسر. عند مغادرة هذا المكان الروحاني، التفت يمينا، حيث يوجد أكبر مركز للتسوق في أفريقيا، وهو مبنى يكتسي هيبة خاصة تمتد مساحته على مسافة 250 ألف متر مربع، كما يعتبر فضاء مثاليا للتسوق وتناول وجبة الغداء من موقعه المطل على البحر. أما إذا زرت المكان صحبة أسرتك، فلا تتردد في قضاء بعض الوقت بمدينة الملاهي أو حديقة الحيوانات القريبة من مركز التسوق.

حقوق النشر © المكتب الوطني المغربي للسياحة، 2022